وروى في خبر آخر: "إن اللَّه تعالى يقول لملائكته: أطعموا أوليائي، فيؤتى بألوان الأطعمة فيجدون لكل لقمة لذة غير ما يجدون للأخرى، فإذا فرغوا من الطعام
يقول اللَّه تعالى لهم: أسقوا عبادي، فيؤتى بأشربة فيجدون لكل نفس لذة بخلاف الأخرى، فإذا فرغوا
يقول اللَّه تعالى لهم: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسألوني أعطكم؟
قالوا: ربنا نسألك رضوانك مرتين أو ثلاثاً،
فيقول: قد رضيت عنكم ولدي المزيد، اليوم أكرمكم بكرامة أعظم من ذلك كله فيكشف الحجاب فينظرون إليه ما شاء الله، فيخرون له سجداً فكانوا في السجود ما شاء الله، ثم يقول لهم ارفعوا رؤوسكم ليس هذا موضع عبادة،
فينسون كل نعمة كانوا فيها، ويكون النظر أحب إليهم من جميع النعم، ثم يرجعون فتهيج ريح من تحت العرش على تل من مسك أبيض فينثر ذلك على رؤوسهم ونواصي خيولهم، فإذا رجعوا إلى أهليهم يرونهم أزواجهم في الحسن والبهاء أفضل مما تركوهن
فيقول لهم أزواجهم: إنكم قد رجعتم على أحسن ما كنتم.
وقال عكرمة: أهل الجنة كأمثال أولاد ثلاث وثلاثين سنة رجالهم ونسائهم، والقامة ستون ذراعاً على قامة أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام شباب جرد مرد مكحولون، عليهم سبعون حلة تتلون كل حلة في كل ساعة سبعين لوناً فيرى وجهه في وجهها: يعني في وجه زوجته، وفي صدرها وفي ساقها وترى هي وجهها في وجهه وصدره وساقه، ولا يبزقون ولا يتمخطون وما كان فوق ذلك من الأذى فهو أبعد.
وروي في الخبر "أنه لو اطلعت امرأة من أهل الجنة كفها من السماء لأضاءت ما بين السماء والأرض"
عن زيد بن أرقم قال: "جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم
فقال : يا أبا القاسم أتزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟
فقال : نعم والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع"
قال : فإن الذي يأكل ويشرب ويكون له حاجة والجنة طيبة ليس فيها أذى
قال : حاجة أحدهم عرق هو كريح المسك"
عن أبي الأشرس عن معتب بن سمى في قول اللَّه تعالى {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قال: طوبى شجرة في الجنة ليس في الجنة داراً لا يظلها غصن من أغصانها فيه ألوان الثمار، ويقع عليها طير كأمثال البخت فإذا اشتهى أحدهم طيراً دعاه فوقع على خوانه وأكل من أحد جانبيه قديداً ومن الأخر شواء ثم يعود طيراً فيذهب.
وروى عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على صورة أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك على منازل لا يبولون ولا يتغوطون
ولا يبزقون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب ومحامرهم الألوة: أي العود. ورشحهم المسك وأخلاقهم على خلق رجل واحد، على طول أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام ستون ذراعاً"
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إن أهل الجنة شبان جرد مرد ليس لهم شعر إلا في الرأس والحاجبين وأهداب العينين يعني ليس لهم شعر عانة ولا شعر إبط، طول آدم ستون ذراعاً، على مولد عيسى ابن مريم ثلاثة وثلاثين سنة، بيض الألوان خضر الثياب يضع أحدهم مائدة بين يديه فيقبل طائر فيقول يا ولي اللَّه أما إني قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنة تحت العرش وأكلت من ثمار كذا طعم أحد الجانبين مطبوخ وطعم الجانب الآخر مشوي، فيأكل منها ما شاء وعلى الولي سبعون حلة ليس فيها حلة إلا على لون آخر، في أصابعهم عشرة خواتيم كتب
على الأول {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ}
وفي الثاني {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ}
وفي الثالث {تِلْكُمْ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
وفي الرابع: رفعت عنكم الأحزان والهموم.
وفي الخامس: ألبسناكم الحلي والحلل.
وفي السادس: زوجناكم الحور العين.
وفي السابع :{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
وفي الثامن: وافقتم النبيين والصديقين.
وفي التاسع: صرتم شباباً لا تهرمون.
وفي العاشر: سكنتم في جوار من لا يؤذي الجيران".
فمن أراد أن ينال هذه الكرامات فعليه أن يداوم على خمسة أشياء:
أولها : أن يمنع نفسه من جميع المعاصي قال اللَّه تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الهَوَى، فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى} الآية
والثاني: أن يرضى باليسير من الدنيا لأنه روي في الخبر "أن ثمن الجنة ترك الدنيا" والثالث: أن يكون حريصاً على الطاعات فيتعلق بكل طاعة فلعل تلك الطاعة تكون سبباً للمغفرة ووجوب الجنة قال اللَّه تعالى: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وفي آية أخرى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وإنما ينالون ما ينالون بالاجتهاد في الطاعات.
والرابع: أن يحب الصالحين وأهل الخير ويخالطهم ويجالسهم فإن واحداً منهم إذا غفر له يشفع لأصحابه وإخوانه كما روي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "أكثر الإخوان فإن لكل أخ شفعة يوم القيامة"
والخامس: أن يكثر الدعاء ويسأل اللَّه تعالى أن يرزقه الجنة وأن يجعل خاتمته إلى خير.
وقال بعض الحكماء: الركون إلى الدنيا مع ما يعاين من الثواب جهل، وإن ترك الجهد في الأعمال بعدما عرف ثوابه عجز، وإن في الجنة راحة ما يجدها إلا من لم يكن له في الدنيا راحة، وفيها غنى لا يجده إلا من ترك فضول الدنيا وأقتصر على اليسير من الدنيا.
وذكر عن بعض الزهاد أنه كان يأكل بقلاً وملحاً من غير خبز،
فقال له رجل : قد اقتصرت على هذا ؟
فقال إني إنما جعلت الدنيا للجنة وأنت جعلت الدنيا للمزبلة: يعني تأكل الطيبات فتصير إلى المزبلة، وإني لأكل لإقامة الطاعة لعلي أصير إلى الجنة.
وذكر عن إبراهيم بن أدهم رحمه اللَّه تعالى أنه أراد أن يدخل الحمام فمنعه صاحب الحمام وقال: لا تدخل إلا بالأجرة،
فبكى إبراهيم وقال: اللهم لا يؤذن لي أن أدخل بيت الشياطين مجاناً فكيف لي بالدخول بيت النبيين والصديقين مجاناً.
وذكر أن في بعض ما أنزل اللَّه تعالى على بعض أنبياءه عليهم الصلاة والسلام: يا ابن آدم تشتري النار بثمن غالٍ ولا تشتري الجنة بثمن رخيص، وتفسير ذلك أن فاسقاً لو أراد أن يتخذ ضيافة للفساق فربما ينفق فيها المائة أو المائتين ويخف عليه ذلك فهو يشتري النار بثمن غالٍ، ولو أنه اتخذ ضيافة لأجل اللَّه تعالى بدرهم أو درهمين فيدعوا إليها بعض المحتاجين لثقل عليه ذلك فيكون ذلك ثمن الجنة.
وروي عن أبي حازم أنه قال: لو كانت الجنة لا يدخل فيها أحد إلا بترك جميع ما يحب من الدنيا لكان يسيرا في جانبها ولو كانت النار لا ينجوا منها إلا بتحمل جميع ما يكره لكان يسيرا في جانبها، فكيف وقد تدخل الجنة بترك جزء من ألف جزء مما تحب وقد تنجو من النار بتحمل جزء من ألف مما تكره.
قال يحيى بن معاذ الرازي: ترك الدنيا شديد وترك الجنة أشد منه وإن مهر الجنة ترك الدنيا.
وعن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "من يسأل اللَّه تعالى الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار" فنسأل اللَّه تعالى أن يجيرنا من النار وأن يدخلنا الجنة، ولو لم يكن في الجنة سوى لقاء الإخوان واجتماعهم لكان هنيئاً طيباً فكيف وفيها ما فيها من فنون الكرامات.
وروي عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة أسواقاً لا شراء فيها ولا بيع يجتمعون فيها حلقاً حلقاً يتذاكرون كيف كانت الدنيا وكيف كانت عبادة الرب، وكيف كان فقراء أهل الدنيا وأغنياؤها، وكيف كان الموت وكيف صرنا بعد طول البلى إلى الجنة"
و روى ثقات عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه أنه قال: يرد الناس جميعاً الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يمرون على الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق ومنهم من يمر مثل الريح ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إذا أخرهم رجل يمر على موضع إبهامي قدميه ثم يتكفأ به الصراط، والصراط دحض منزلة حده كحد السيف، عليه حسك كحسك القتاد، على حافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس فمن بين مار ناج ومن بين مخدوش ناج ومن بين مكدوش في النار، والملائكة يقولون رب سلم سلم،
فيمر رجل وهو أخر أهل الجنة دخولاً فإذا جاز الصراط رفع له باب من الجنة فلا يرى له في الجنة مقعداً
فإذا نظر إليها قال: رب أنزلني ههنا
فيقول له: فلعلك إن أنزلتك هنا تسألني غيره
فيقول : لا وعزتك , فينزله
ثم يرفع له في الجنة منازل فيتحاقر إليه ما أعطي مما يرى
فيقول : رب أنزلني هناك،
فيقول : فلعلك إن أنزلتك هنا أن تسألني غيره،
فيقول : لا وعزتك، فينزله
ثم يرفع له في الجنة حتى الرابعة، فإذا كانت الرابعة رفع له فيتحاقر إليه كل شيء أعطى فيسكت فلا يسأل شيئاً؛
فيقول : له ألا تسأل؟
فيقول : سألت حتى استحييت،
فيقول اللَّه تعالى: لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها" فهذا هو أوضع أهل الجنة منزلاً. قال عبد اللَّه بن مسعود: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يتحدث بذلك إلا ضحك حتى بدت نواجذه.
وروي في الخبر "أن نساء أهل الدنيا من جعل منهن في الجنة يفضلون على الحور العين بأعمالهم في الدنيا" قال اللَّه تعالى {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً، عُرُباً أَتْرَاباً، لأَصْحَابِ اليَمِينِ