المال المستفاد وزكاة كسب العمل والمهن الحرة (الأجور والرواتب)
المال المستفاد هو ما يدخل في ملكية المزكي بعد أن لم يكن في ملكه, فإن كان عند المزكي نصاب, واستفاد مالًا من جنسه قبل أن يحول الحول, كربح التجارة ونتاج الماشية, فإن المال المستفاد يضم إلى الأصل, عند تمام الحول, ويزكى مع الأصل سواء أكان المال المستفاد من نماء ذلك الأصل أم من غير نمائه, وهذا على مذهب الحنفية, وهو يدفع الحرج الذي ينشأ عن تشقيق الواجب واختلاف أوقات الوجوب وييسّر معرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه وأما إذا كان المال المستفاد من جنس آخر غير الأصل الذي عند المزكي, كما لو كان عنده نقود واستفاد ماشية فإن هذا المال المستفاد لا يكمّل به نصاب الأصل إن كان ناقصا, ولا يضمّ إلى حوله إن كان النصاب كاملًا, بل يبدأ حول المال المستفاد يوم استفادته إن كان نصابًا
والمال المستفاد من غير نماء الأصل, أي بسبب مستقل, لكنه من جنس الأصل, كالأجر النقدي على العمل والراتب النقدي عن المهنة, يضم إلى الأصل الذي عند المزكي في النصاب والحول, ويزكي ما يبقى منهما عند حولان الحول, ويمكن لمن أراد الاحتياط أن يقدّر المبلغ الذي يتوقع أن يفيض عن نفقاته الدورية, ويزكيه كله (تحت الحساب) فيكون ذلك من قبيل تعجيل الزكاة قبل الحول, على أن يحسب عند نهاية الحول ما وجب في أمواله الباقية آنئذ ويخرج الزكاة الناقصة عما أخرجه تحت الحساب, وتكون الزيادة من قبيل صدقة التطوع
زكاة المال الحرام
1- المال الحرام هو كل مال حظر الشرع اقتناءه أو الانتفاع به سواء كان لحرمته لذاته بما فيه من ضرر أو خبث كالميتة والخمر, أم لحرمته لغيره, لوقوع خلل في طريق اكتسابه, لأخذه من مالكه بغير إذنه, كالغصب, أو لأخذه منه بأسلوب لا يقره الشرع ولو بالرضا, كالربا والرشوة
2- أ) حائز المال الحرام لخلل في طريقة اكتسابه لا يملكه مهما طال الزمن, ويجب عليه رده إلى مالكه أو وارثه إن عرفه, فإن يئس من معرفته وجب عليه صرفه في وجوه الخير للتخلص منه وبقصد الصدقة عن صاحبه
ب) إذا أُخذ المال أُجرة عن عمل محرم, فإن الآخذ يصرفه في وجوه الخير ولا يرده إلى من أخذه منه
ج) لا يرد المال الحرام إلى من أخذ منه إن كان مصرًا على التعامل غير المشروع الذي أدى إلى حرمة المال كالفوائد الربوية بل يصرف في وجوه الخير أيضا
د) إذا تعذر رد المال الحرام بعينه وجب على حائزه رد مثله أو قيمته إلى صاحبه إن عرفه وإلا صرف المثل أو القيمة في وجوه الخير وبقصد الصدقة عن صاحبه
3- المال الحرام لذاته ليس محلا للزكاة, لأنه ليس مالا متقوما في نظر الشرع, ويجب التخلص منه بالطريقة المقررة شرعا بالنسبة لذلك المال
4- المال الحرام لغيره الذي وقع خلل شرعي في كسبه, لا تجب الزكاة فيه على حائزه, لانتفاء تمام الملك المشترط لوجوب الزكاة, فإذا عاد إلى مالكه وجب عليه أن يزكيه لعام واحد ولو مضى عليه سنين على الرأي المختار
5- حائز المال الحرام إذا لم يرده إلى صاحبه وأخرج قدر الزكاة منه بقي الإثم بالنسبة لما بيده منه, ويكون ذلك إخراجًا لجزء من الواجب عليه شرعًا ولا يعتبر ما أخرجه زكاة, ولا تبرأ ذمته إلا برده كله لصاحبه إن عرفه أو التصدق به عنه إن يئس من معرفته
فقه زكاة المستغلات
المستغلات هي كل ما تجددت منفعته مع بقاء عينه, وهي الأموال التي لا تتخذ للتجارة, ولكنها تتخذ للنماء فتَغلّ لأصحابها كسبًا بواسطة تأجير عينها, ومثال ذلك العقارات, والسيارات والبواخر والطائرات المؤجرة
فهذه المستغلات لا زكاة في أعيانها, أي في نفس العمارة أو السيارة, لأنها في حكم عروض القنية (الأصول الثابتة) التي ليست فيها نية التجارة, وتجب الزكاة في إيراد المستغلات الذي يبقى عند حولان الحول, ويُضم ذلك الإيراد في النصاب والحول إلى ما لدى المزكي المالك للمستغلات من نقود وعروض تجارة, ويزكى بنسبة (2.5%), وهذا طبقًا لما عليه جمهور الفقهاء في مدوناتهم الفقهية وأخذت به هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي
فقه زكاة الركاز
- الركاز كل ما يدفن في الأرض من الكنوز
- ولا يشترط لزكاته حول ولا نصاب
- والقدر الواجب إخراجه الخمس (20%) باتفاق الفقهاء لحديث (وفي الركاز الخمس) أخرجه الجماعة
الأنعام المعدة للتجارة
تعامل الأنعام المعدة للتجارة معاملة عروض التجارة, وتحسب زكاتها بالقيمة لا بعدد الرءوس المملوكة, لذا لا يشترط النصاب العددي المذكور سالفا لوجوب الزكاة فيها, بل يكفي أن تبلغ قيمتها نصاب زكاة النقود (وهو ما قيمته 85 جرام من الذهب الخالص) لتجب الزكاة فيها, فيضمها مالكها إلى ما عنده من عروض التجارة والنقود, ويخرج الزكاة عنها بنسبة ربع العشر (2.5%) متى ما استوفت شروط وجوب زكاة عروض التجارة من بلوغ النصاب وحولان الحول
لكن إن كان ما عند المالك من الأنعام لا تبلغ قيمته نصابا من النقد وبلغ نصابا بالعدد, فيخرج زكاتها كسائر الأنعام التي ليست للتجارة بالمقادير المبينة سابقا
تعريف عروض التجارة
يقصد بعروض التجارة جميع الأموال التي اشتريت بنية المتاجرة بها, سواء بالاستيراد الخارجي أم الشراء من السوق المحلية, وسواء كانت عقارًا أم مواد غذائية أم زراعية أم مواشي أم غيرها, وقد تكون بضائع في محل تجاري لفرد أو لمجموعة من الأفراد, وهذه الأموال يطلق عليها عروض التجارة
الفرق بين عروض القُنْيَة وعروض التجارة
يُقصد بعروض القنية تلك العروض المعدة للاقتناء والاستعمال الشخصي, لا للبيع والتجارة, وتعرف في المحاسبة بالأصول الثابتة, وهي التي ينوي التاجر أو الصانع أو غيرهم عند شرائها الاحتفاظ بها لأنها أدوات إنتاج, مثل الآلات والمباني, والسيارات, والمعدات, والأراضي التي ليس الغرض منها بيعها والمتاجرة بها, وكذلك الأواني, والخزائن, والرفوف التي تعرض فيها البضاعة, وكذلك المكاتب والأثاث إلخ, فجميع هذه الموجودات الثابتة لا زكاة عليها, ولا تدخل في وعاء الزكاة
وأما عروض التجارة, وهي العروض المعدة للبيع, وتعرف في المحاسبة بالأصول أو الموجودات المتداولة, وهي التي ينوي التاجر أو الصانع عند شرائها المتاجرة بها, مثل: البضائع, والسلع, والآلات, والسيارات, والأراضي التي تُشترى بنية المتاجرة بها, فإنها تجب فيها الزكاة إذا ما استوفت شروط وجوب الزكاة
شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة
يشترط لوجوب زكاة مال التجارة ما يشترط في المال النقدي من الشروط بالإضافة إلى أمرين اثنين لا بد من اعتبارهما في المال ليصبح من مال التجارة الذي تجب زكاته, وهذان الأمران هما العمل والنية:
1- العمل بأن تملك العروض بمعاوضة:
وذلك عن طريق الشراء بنقد أو عرض آخر (مقايضة) أو بدين حالّ أو مؤجل, ومثله ما لو حصلت المرأة على السلعة بقبولها مهرا أو عوض خلع
أما لو ملك العرض بإرث أو هبة أو استرداد بعيب أو باستغلال الأرض المملوكة له بالزراعة فلا يزكى زكاة عروض التجارة ويخضع لزكاة المال المستفاد, وذلك لعدم حصول التملك ببذل عوض
2- النية بأن يقصد عند تملك العروض التجارة بها:
والتجارة هي بيع ما اشتراه لتحصيل الربح, والنية المعتبرة هي المقارنة لدخول عرض التجارة في الملك, فإذا اشترى فرد سيارة مثلًا ناويًا أنها للقنية أي للاستعمال الشخصي, وفي نيته إن وجد ربحا باعها, فلا تُعدّ من مال التجارة الذي تجب فيه الزكاة, بخلاف ما لو اشترى مجموعة من السيارات بنية التجارة والربح واستعمل واحدة منها, فتعدّ من أموال التجارة التي تجب فيه الزكاة, إذ العبرة بنية الأصل - النية الغالبة عند الشراء - فما كان الأصل فيه هو الاقتناء والاستعمال الشخصي لا يُعدّ من التجارة بمجرد رغبته في البيع إذا وجد الربح المناسب. وما كان الأصل فيه التجارة والبيع لا يخرجه من مال التجارة الاستعمال الشخصي الطارئ عليه
ثم إنه إذا اشترى عرضًا معينًا بنية المتاجرة فيه ثم قَبْلَ أن يبيعه - غيّر نيته فيه إلى الاستعمال الشخصي فتكفي النية هنا لإخراجه من مال التجارة إلى المقتنيات الشخصية فلا تجب فيه زكاة, وكذلك إن اشترى عرضًا للقنية ثم غيَّر نيته إلى البيع فلا يكون فيه زكاة
كذلك يدخل في نطاق زكاة عروض التجارة الأنشطة التالية:
أ - عمليات الشراء والبيع لغرض الكسب, وتشمل المشروعات التجارية, سواء أكانت في شكل منشآت فردية أم شركات مضاربة أم شركات أشخاص أو شركات مساهمة أم غير ذلك
ب - عمليات الوساطة بين التجار, مثل الدلالين والجلّابين (الذين يُسوِّقون البضائع بعمولة)
ج - أعمال الصيارفة والاستثمار على اختلاف أنواعها
كيف تُزكى الثروة التجارية؟
إذا حلّ موعد الزكاة ينبغي للتاجر المسلم - أو الشركة التجارية - أن يَقُوم بجرد موجوداته التجارية مثل البضاعة الموجودة ويضمها إلى ما لديه من نقود - سواء استغلها في التجارة أم لم يستغلها - ويضيف إليها ما له من ديون مرجوة السداد, ثم يطرح منها الديون التي عليه لأشخاص أو جهات أخرى, ثم يزكي الباقي بنسبة ربع العشر (2.5% راجع شرط حولان الحول من شروط وجوب الزكاة
وقد عبر عن ذلك ميمون بن مهران فيما رواه الإمام أبو عبيد عنه بقوله: (إذا حلّت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض فقوّمه قيمة النقد, وما كان من دين في ملاءة فاحسبه, ثم اطرح منه ما كان عليك من الدين ثم زكّ ما بقي)
بأيّ سعر يُقَوّم التاجر موجوداته التجارية عند إخراج الزكاة؟
يُقَوّمُ التاجر ثروته التجارية بسعر السوق الحالي, سواء كان سعر السوق الحالي منخفضًا عن سعر الشراء أو مرتفعًا, فالعبرة بسعر السوق الحالي والمراد بسعر السوق سعر بيعها وقت وجوب الزكاة ولا يطبق هنا المبدأ المحاسبي التقليدي في الأخذ بالتكلفة أو سعر السوق أيهما أقل, لأن ذلك في المشاركات, وهي حقوق للشركاء لهم أن يختاروا في المحاسبة استقصاء الربح لتوزيعه أو إبقاء قسم منه من خلال اختيار الأقل من التكلفة أو القيمة السوقية, أما في الزكاة فهي حق لغير المزكي وهم المستحقون من المصارف الثمانية فيجب التأكد من إخراج هذا الحق المعلوم باعتبار القيمة السوقية التي تمثل التكلفة والربح الكامن غالبًا
وإذا هبطت القيمة السوقية عن التكلفة فإن اعتبارها يدفع الضرر عن المزكي ويكون تقويم عروض التجارة بسعر الجملة سواء بيعت جملة أم تجزئة (قطاعي), وهذا الرأي هو ما أَخذ به مجمع الفقه في مكة
إخراج الزكاة من عين البضاعة أو قيمتها
الأصل أن تخرج زكاة عروض التجارة نقدًا بحسب قيمة العروض يوم وجوب الزكاة كما تقدم, وليس من أعيان البضائع نفسها, وذلك لما في الرواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لحماس: (أدّ زكاة مالك, قال: ما لي إلا جِعاب أَدم, قال: قومها ثم أدّ زكاتها), لأن ذلك أصلح للفقير حيث يسد بها حاجاته مهما تنوعت
ويجوز إخراج الزكاة من أعيان البضائع تسهيلًا وتيسيرًا على الناس إذا كان ذلك يدفع الحرج عن المزكي في حالة الكساد وقلة النقد لدى التاجر ويحقق مصلحة الفقير في أخذ الزكاة أعيانا يمكنه الانتفاع بها
الديون التي للتاجر على الآخرين
تنقسم هذه الديون إلى قسمين:
دين مرجو الأداء:
وهو ما كان على مُقرّ بالدين قادر على أدائه - أو جاحد للدين لكن عليه بينة ودليل بحيث لو رفع الأمر إلى القضاء لاستطاع التاجر استرداده, وهي ما تعرف بالديون الجيدة, ففي هذه الحالة على التاجر - أو الشركة التجارية - تزكية مبلغ الدين مع زكاتها كل عام
دين غير مرجو الأداء:
وهو ما كان على جاحد ومنكر للدين ولا بينة عليه, أو ما كان على مقرّ بالدين لكن كان مماطلًا أو معسرًا لا يقدر على السداد, وهي ما تعرف بالديون المشكوك في تحصيلها, فليس على التاجر - أو الشركة التجارية - زكاة في هذا الدين إلا بعد أن يقبضه فعلًا, فيزكيه عن سنة واحدة فقط وإن بقي عند المدين سنين
زكاة الصناعة
النشاط الصناعي أقرب إلى النشاط التجاري من أي نشاط آخر والصناعة لا تنفصل عن قصد التجارة, كما أنها لا تخلو عن شراء مواد بقصد المتاجرة بها, ولذا تطبّق عليها أحكام زكاة عروض التجارة, أما المؤسسات التي يقتصر عملها على الصناعة للآخرين, فلا تُعَدّ أدواتها التي تستعملها من عروض التجارة.
كما هو الحال في الشركات التي تتخصص في أعمال المقاولات لصالح الغير, فمثل هذه الشركات تُعَدّ صناعية وإن لم يُؤْلف إطلاق هذه الكلمة عليها, فكل شركة تعمل في الصناعة للآخرين مثل شركات الحديد والصلب تُعَدّ شركات صناعية ومثلها محل الحدادة والنجارة, ولكن لو اشترت هذه الشركات الصناعية بضائع ومواد بقصد بيعها بعد تصنيعها فإن هذه المواد تعتبر عروضًا تجارية, وتزكى قيمتها خالية من الصناعة
وتنقسم أنشطة الصناعة إلى قسمين
القسم الأول:
البضاعة التي تشترى مصنوعة بقصد المتاجرة بها, فهذه البضاعة تقوم بنية البيع بالقيمة السوقية, ويضاف إليها النقد الذي لدى المزكي, والديون الجيدة المستحقة له على الغير, ويسقط ما عليه من الديون ثم يزكي الباقي
القسم الثاني:
البضاعة التي تصنع من قبل المزكي بغرض البيع, أي يدخل عليها بمجهوده على المادة المشتراة صنعة لها قيمة, فهذا القسم من البضائع تكون الزكاة على المادة الخام فقط والمواد المضافة التي تبقى عينها, أي على الحال التي اشتريت عليها, ويؤخذ في الاعتبار أن المواد الخام المستخدمة في الصناعة إذا حال عليها الحول أو ضُمّت إلى حول نصاب مشابه, كالنقود أو عروض التجارة - كأقمشة خام لدى مصنع ملابس مضى عليها ستة أشهر مثلا ثم صنعت ملابس - فإنها تزكى بالحول السابق ولا يبدأ حساب حول جديد, والقدر الواجب إخراجه من الوعاء الخاضع للزكاة في كل من القسمين هو (2.5%)